بقلم: رانيا مسعد
تمتلئ حياتنا بالصعوبات والضغوطات النفسية، الشخصية والاجتماعية والأكاديمية والمهنية؛ فليست الحياة مُمَهدة بالورود دائمًا، ولمرورنا بتلك الصعوبات والضغوطات أهمية وضرورة في حياتنا، فبها نكون أقوى وتزداد خبرتنا، ونستفيد من كل تجاربنا. وكل ما نحتاجه هو المرونة النفسية التي تلزمنا حتى نتخطى العقبات.
المرونة النفسية
فى ظِل التطورات والتغيرات التي يعيشها الإنسان في مختلف ميادين الحياة، وما يواجهه من مشكلات وضغوط أثرت على اسـتقراره وحياته الهادئة؛ أصبح الإنسان عُرضة للكثير من الاضطرابات النفسية الناتجة عن الحياة التي يعيشها في الوقـت الحاضـر فـي عـالم كثير التعقيد، مما يؤثر عليه ويجعله غير قادر على تحقيق أهدافه، لذا وجب على الفـرد أن يكـون لـه قـدر مـن الثبـات والحفـاظ علـى هدوئه واتزانه الداخلي عند التعرض للضغوط أو المواقف العصيبة؛ فضلًا عن القـدرة علـى التوافـق الفعـال والمواجهـة الإيجابية لهـذه الضغوط وتلك المواقف الصادمة، وحتى يستطيع الفرد مواجهة تلـك المواقـف الضـاغطة يجـب أن تتـوافر لديـه مجموعـة مـن السِـمات والخصائص والتي من بينها المرونـة النفسـية والتـي تسـاعد الفـرد علـى التكيـّف مـع الأحداث الصـادمة والمِحـن والمواقـف الضـاغطة المتواصلة.
المرونة النفسية Psychological Resilience تشير إلـى فكـرة ميّـل الفـرد إلـى الثبـات والحفـاظ علـى هدوئـه واتزانـه الانفعالي عند التعرض لضغوط أو مواقـف عصـيبة؛ فضـلًا عـن قدرتـه علـى التوافـق الفعـال والمواجهـة الإيجابية لهـذه الضـغوط وتلـك المواقـف الصـادمة؛ ومـن ثَم فـإن ذوي المرونـة النفسـية العاليـة يتعايشـون بانفعالات إيجابيـة مثـل الهـدوء والسـكينة مـع القـدرة علـى التمييـز والإدارة الفعالة لكل من الانفعالات الإيجابية والسلبية؛ فضلًا عن القدرة على ضبط وتنظيم الاستجابات الانفعالية مما يخفض بصورة واضحة من التأثيرات السلبية للخبرات والأحداث الضاغطة.
فوائد المرونة النفسية
• التفاؤل والإيجابية: يميل الأشخاص المرِنون نفسيًا إلى رؤية الإيجابيات في معظم المواقف التي يمرون بها مهما كانت سلبية ويبحثون عن تلك الإيجابيات من منطلق إيمانهم بأنفسهم وبقوتهم وهذا ما يغير طريقة تعاملهم مع المشاكل من عقلية الضحية إلى عقلية القادر والمنتصر.
• الدعم الاجتماعي: يلعب الدعم الاجتماعي دورًا مهمًا في تعزيز المرونة النفسية لدى الأفراد، كما أنه يحسن الصحة العقلية بشكل عام، لأن الإنسان عندما يكون ضمن بيئة إيجابية داعمة فسيكون أقوى بالطبع مما ينعكس على تصرفاته، وهذه القوة تأتي عادة من محيط العائلة والأصدقاء.
• الحِس الفُكاهي: الأشخاص ذوي المرونة النفسية يميلون إلى امتلاك حس فكاهي يُمَكِنهم من التعامل ببعض الفكاهة مع صعوبات الحياة، تلك الفكاهة النابعة من القوة وليس من السخرية والاستهتار، وهذا الأسلوب من التفكير يدفعهم لرؤية الصعوبات على أنها تحدٍّ لا تهديد، هذا ما يجعل التعامل مع تلك المواقف أقوى وأسهل.
• الروحانية: الجانب الروحي ذو أهمية أيضًا لدى الأشخاص ذوي المرونة النفسية العالية، فهم مؤمنون بشكل أو بآخر بأن هناك الكثير الذي عليهم مواجهته في هذه الحياة، وأن كل تلك الأمور اختبارات تطهيرية للنفس، فذلك يجعلهم أقدر على الصمود في وجه المصاعب والتحديات.
• الوعي العاطفي: الأشخاص ذوي الوعي العاطفي المُتَقد والحيّ يعرفون ما يشعرون به وسبب تولّد هذا الشعور لديهم، بالتالي لديهم القدرة على تفَهُم مشاعر الآخرين بشكل أفضل لأنهم يعملون على وضع أنفسهم مكان أولئك الآخرين، وهذا النوع من الفهم العاطفي للناس يساعد على الاستجابة بشكل مناسب للآخرين وما يصدر عنهم من أقوال أو أفعال بالتالي التعامل بشكل أفضل مع المشاعر الصعبة التي تنتج أثناء المواقف المختلفة كالغضب أو الخوف.
• العزيمة والإصرار: الأشخاص المرِنون لا يشعرون بالعجز أو اليأس عندما يواجهون تحديًا ما، سواء كان يهدف لتحقيق أهداف خارجية أو يعمل لترسيخ استراتيجيات تأقلم داخلية لدى الشخص وهذا ما يجعلهم أكثر قدرة على مواصلة العمل والسعي نحو هدف ما عندما يواجهون عقبة ما.
• القدرة على التحكم الداخلي بالمشاعر والأفكار: الأشخاص المرنون نفسيًا غالبًا ما يؤمنون بأن ما يحدث لهم في حياتهم سببه هم وليست قوى خارجية صادرة عن الآخرين ويعتقدون أن التحكم في حياتهم مصدره ذواتهم لا الخارج، وهذا ما يجعلهم يشعرون بضغط أقل خلال المواقف المختلفة لأن الأشخاص الذين لديهم موضع تحكم داخلي ونظرة واقعية للعالم يمكن أن يكونوا أكثر مرونة في التعامل مع الضغوطات في حياتهم وأكثر توجهًا نحو الحلول، كما يشعرون بإحساس أكبر بالسيطرة على حياتهم وامتلاك زِمام الأمور، وهذا بالنتيجة يجعلهم في المستوى الأقل من الضغط النفسي والعصبي.
تنمية المرونة النفسية
إذا أردت أن تصبح أكثر مرونة، ففكّر في هذه النصائح:
• تواصل مع الآخرين ببناء علاقات إيجابية وقوية مع الأحِباء والأصدقاء؛ ستحصل على الدعم اللازم والقبول في كل الأوقات الجيدة والسيئة. كما يمكنك تأسيس أنواع تواصل هامة أخرى عن طريق التطوع أو الانضمام إلى إحدى المجموعات الدينية.
• إضفاء قيمة لكل يوم، افعل شيئًا يمنحك شعور بالإنجاز والمغزى كل يوم. ضع أهدافًا لمساعدتك على التطلّع نحو مستقبل له معنى.
• تعلم من الخبرات، فكّر في كيفية تعاملك مع المصاعب في الماضي وفكر في المهارات والاستراتيجيات التي ساعدتك خلال الأوقات العصيبة. كما يمكنك أيضًا الكتابة عن تجاربك السابقة في إحدى المجلات لمساعدتك على تحديد أنماط السلوك الإيجابي والسلبي وتوجيه سلوكك في المستقبل.
• تمسك بالأمَل، لا يمكنك تغيير الماضي، لكن يمكنك دومًا التطلع إلى المستقبل فقبول التغيير أو حتى توقعه سيسهل عليك التكيّف والتفكير في التحديات الجديدة بقلق أقل.
• انتبه لنفسك، اعتني باحتياجاتك ومشاعرك. شارك في الأنشطة والهوايات التي تستمتع بها. احرص على ممارسة الأنشطة البدنية ضمن روتينك اليومي. احصل على قدر وفير من النوم. اتبع نظامًا غذائيًا صحيًا. وقم بممارسة تقنيات التعامل مع الضغوط والاسترخاء، مثل اليوغا أو التأمل أو التخيل الموجّه أو التنفس العميق أو الصلاة.
• كن سباقًا، لا تتجاهل مشاكلك. بدلًا من ذلك، تخيل ما يجب القيام به لحل الأمر وضع خطة ثم اتخذ الإجراءات اللازمة للتنفيذ. على الرغم من احتمال استغراق وقت طويل للتعافي من أي انتكاسة كبيرة؛ سواء حادث صادم أو خسارة صادمة، فاعلم أنه بإمكانك تحسين الأمر إذا عملت على ذلك.
• احتضان التغيير وقبول ما لا نستطيع تغييره.
• قم بتطوير مهاراتك لحل المشكلات.
• اطلب المساعدة النفسية إن تراكمت عليك الضغوط.
أخيرًا، على الإنسان أن يعلم أن كل أحداث الحياة هي من تقدير الله عز وجل، وتلك الأحداث والضغوط وضعت لحكمة لا نعلمها، وعلينا أن نتقبل، ونتعلم منها ليس أكثر.