القائمة الرئيسية

الصفحات

اللقاء الحضاري في الشرق أثناء الحروب الصليبية

 بقلم:

- ٱ/ حسام عبد المنعم

- ٱ/ أحمد محمد 

 أ/ يوسف محمد 

- ٱ/ أمنية لبيب

- ٱ/ إسراء صلاح

- ٱ/ مديحة كميال 

 تحت إشراف: ٱ/ يوسف محمد

اللقاء الحضاري في الشرق أثناء الحروب الصليبية

لم يكن الامتزاج الحضاري بين المسيحية والإسلام في سوريا من حيث العمق والاستمرار على نفس المستوى الذي كان عليه اللاتينية في القدس التي كانت تفتقر إلى مركز علمي كبير في الأندلس وصقلية.


لكن على الرغم من ذلك، فإن بعض العلماء والتجار ومحاربي الحملة الصليبية، استطاعوا عن طريق المشاهدة العينية والاندماج، أن ينقلوا بعض المعارف عن الزراعة والملاحة والصناعة.. إلخ، من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا.


 وكان لزامًا على الصليبيين  أن يعتمدوا على سكان البلاد الأصليين في الأعمال المحلية مثل زراعة الأرض وبناء الحصون والكنائس وترميمها إلى غير ذلك من الأعمال الصناعية والمعاملات التجارية المختلفة.


الحقيقة أن هذه الإمارات الصليبية كانت تتلقى من الغرب أموالًا ومساعدات مختلفة، إلا أن هذه المساعدات كانت غير كافية،  لهذا كان يتحتم على الصليبيين الاعتماد على أهالي المنطقة، ومن هنا نشأت علاقات سلمية بين المسلمين والمسيحيين، وأخذ كل فريق يعمل على فهم الفريق الآخر والتعرف عليه.

       ‏

من الناحية الاجتماعية 


نجد أن الصليبيين أقبلوا على الزواج من المواطنات المسيحيات من الموارنة والأرمن وبعض الأسيرات المسلمات،  وقد نشأ عن هذه الزيجات جيل من المولدين، عُرِفوا باسم بولاني Pullani، وقد غلب على هؤلاء في طبائعهم وعاداتهم، الطابع الشرقي.


لم يتردد الصليبيون مع مرور الزمن في الاستعانة بهؤلاء المولدين في تشكيل فرق من الخيالة الخفيفة، عرفت باسم التركبولي Turcopoles،  كذلك أخذ الصليبيون يكيفون حياتهم في الشرق حسب مقتضيات الحال والمناخ، فارتدوا الملابس الشرقية وأكلوا الأطعمة الشرقية وسكنوا القصور والبيوت ذات الطراز الشرقي.


من الناحية الاقتصادية 


فنجد أن الصليبيين استفادوا من المشرق الإسلامي استفادة كبيرة، لدرجة أن بعض المؤرخين اعتبر الحركة الصليبية حروبا اقتصادية، ففي ميدان الزراعة، نقل الصليبيون عن المسلمين إلى أوروبا زراعة بعض أنواع النباتات والثمار والفواكه التي لم يعرفوها من قبل، وسموها بأسمائها العربية.


في ميدان الصناعة، عرفوا كثيرًا من المصنوعات الإسلامية ونقلوها إلى بلادهم، مثل المنسوجات الحريرية والأقمشة القطنية وأقمشة الموصل Musilin ومنسوجات العتابية في بغداد "Taois"، هذا إلى جانب صناعة الورق والصابون والزجاج والحلي والعقاقير... إلخ. 


أما التجارة،  فقد انتعشت بين الشرق والغرب بشكل لم يعرف من قبل، فكانت قوافل المسلمين ترد إلى الموانئ الصليبية على ساحل الشام، تحمل سلع الشرق، وكان من نتائج ازدياد النشاط التجاري بين الشرق والغرب، أن ظهرت المدن التجارية في أنحاء أوروبا، وهي ظاهرة جديدة أدت إلى اجتذاب الفلاحين إلى المدن وانهيار النظام الإقطاعي. 


من الناحية المعمارية العسكرية 


نلاحظ أن العمارة الإسلامية أضافت إلى التراث الفني العالمي نظمًا لم تكن معروفة من قبل، مما جعل لها في العصور الإسلامية طابعًا مميزًا، حيث ابتكر المسلمون المداخل ذات المرافق أو المنعطفات المتعددة في المدن والحصون الإسلامية، والغرض من ذلك التحكم في العدو المهاجم من باب الحصن عبر هذه الممرات الضيقة الطويلة الملتوية.


ويلاحظ أن الرومان والبيزنطيين لم يستخدموا هذا الأسلوب في حصونهم، بل استخدموا المدخل المستقيم الذي يؤدي مباشرة إلى فناء الحصن، ولقد انعكس هذا الأسلوب المعماري العسكري على الحصون والقلاع التي شيدها الصليبيون في الشام أو في أوروبا بعد ذلك.



مثال ذلك حسن الأكراد في شمال شرق طرابلس، الذي أعاد فرسان الاسبتارية، أنشأ قلعته على مثل هذا النظام الرائع الذي مازالت آثاره باقية إلى اليوم.


كذلك ابتكر المسلمون نظام السقاطة التي انتقلت إلى الغرب باسم ماتشيكولي Machieali، وهي عبارة عن شرفة صغيرة من الحجارة أو الخشب تبرز من الحائط ولها فتحات من أسفل وتقام في أسوار الحصن، فيستطيع المدافعون من خلال هذه الفتحات إلقاء المقذوفات أو السائل الحار على المهاجمين.


وقد استعار الصليبيون نظام هذه السقاطات وطبقوه في قلاعهم في شمال الشام وفي أوروبا، ومثال على ذلك قلعة جابار التي شيدها ريتشارد قلب الأسد.


أهم ما نلاحظه في هذا الصدد


هو أن العلاقات التي سادت في عصر الحروب الصليبية لم تكن كلها علاقات عدائية قائمة على الحرب والقتال بين المسلمين والصليبيين، بل قامت بينهم أيضًا علاقات ود وصداقة، ولاسيما في فترات الهدنة والسلام، مما ساعد على توثيق هذه العلاقات، وجعل كل حضارة تفهم الأخرى.


 هكذا نرى  "مما تقدم"  أن الحروب الصليبية، وإن كانت قد سفكت فيها دماء غزيرة إلا أن هذه التضحيات قد قابلها تعويض في هذا اللقاء الحضاري بين الشرق والغرب، إذ انمحت الصورة القديمة التي كانت في مخيلة الصليبيين عن المسلمين، فلم يعودوا يرونهم جنودًا جبناء أو قساة غلاظ القلوب أو كفرة عباد أوثان بل شهدوا من حضارتهم الراقية وشجاعتهم في القتال وورعهم في الصلاة وسماحتهم في معاملة أهل الأديان الأخرى أنهم أهل صلاح وتقوى.


المصادر والمراجع العلمية 


• الروم في سياستهم وحضارتهم وصلاتهم بالعرب ل أسد رستم.


• ‏الدولة البيزنطية في عصر هرقل وعلاقتها بالمسلمين ل ليلى عبد الجواد.


• ‏تاريخ التجارة في الشرق الأدني في العصور الوسطى ل ف. هايد ترجمة عز الدين إسماعيل.

تعليقات