القائمة الرئيسية

الصفحات

الذوق العام ما بين الحاضر و الماضي

  كتب: محمود عبد المنعم

الذوق العام ما بين الحاضر و الماضي


المجتمعات تتغير؟ أم نحن نتغير عبر الأزمنة والعصور؟


 إن كل ما يثير عقلي أن  الزمن هو الزمن و الأيام هي الأيام و لكن الناس هي مَن تتبدل، هي التي تشكلها الأيام و ليس العكس. 


القيّم متغيرة، والمبادئ متبددة، والعادات والتقاليد لم يعد منها إلا ذكريات  نتذكرها و نبكي عليها. 


لهذا سنناقش قضايا محورية في هذا الموضوع (الذوق العام ما بين الماضي و الحاضر). 


١- ما هو الذوق العام؟ 


٢- ثقافة المجتمع بين ثابتٍ و متغير. 


٣- ما الفرق بين الماضي و الحاضر


٤- ما هي المتطلبات الأساسية لمسايرة العصر و هل هذا فيه شيء من السلبية على الفرد و كيف يؤثر على شخصيته؟ 


٥- أهم و أخطر العواقب التي تواجه المجتمع حين تتغير المبادئ و الأسس لمواكبة العصر.


ما هو الذوق العام؟


هو عبارة عن كل ما يرتبط بثقافة المجتمع من قريب أو بعيد وعادات وتقاليد الشعوب عبر التاريخ الإنساني، وكل ما يصدر من الإنسان من سلوكيات و كيف تؤثر هذه السلوكيات عليه  من ردود أفعال مختلفة و هل سيستحق الشخص الهجوم أم الثناء عليها؟


و سيُبنى على هذا التعريف الكثير من النتائج التي ستؤثر على العناصر التي تلي هذا العنصر من تطورات ومحدثات. 


تعتبر ثقافة  المجتمع جزء كبير منه وهي  التي تشكل شخصية الفرد و تؤثر فيه أو بمعنى أدق هي  من أولى المؤثرات على شخصية الفرد و محور رئيسي من محاور الذوق العام والتي تتغير من فترة إلى أخرى و من مجتمع إلى آخر. 


كل مجتمع له عاداته و تقاليده، ومن المسحيل أن ترى مجتمع  له عادات وتقاليد مشابهة لمجتمعٍ آخر و سنجد أيضًا أن ثقافات المجتمع والذوق العام متغيران لثابت؛ بمعنى أن كل زمن له عاداته و تقاليده التي يسير عليها وفق أسس و قواعد.



 الذوق العام ما بين الحاضر و الماضي


 والله إنّي لأرى شتّان بين هذا وذاك وكأني  معلقًا بين الواقعية و الخيالية من الأحداث المؤسفة، فالماضي ذات تراث و الحاضر ذات إنقاص؛ إنقاص في كل شيء ومن كل شيء من القيمة الإنسانية من القيم المجتمعية من المبادئ من الأخلاق من لذة الحياة التي كنّا نعيشها. 


ليس ذلك يعني أن الماضي لا يوجد به سلبيات، بل إن كل عصر و كل مجتمع يوجد فيه ما هو سلبي و ما هو إيجابي، لكن مع الأسف في زمننا السلبي هو ما يطفو على السطح والإيجابي أصبح مجرد چوهرة ثمينة بأعماق البحار، مَن يرغب في امتلاكها عليه أن يقطع مسافات كبيرة ليحصل عليها، وهل سيكون لها  قيمة في وسط قد لُعب في أساسه وتغيرت كل أجزاءه؟ و بعد كل هذا مازلت تجهل الهوة الكبيرة بين العصرين!.



 الجديرُ بالذكر في هذا الموضوع، أن كل عنصر مرتبط بما قبله؛ لذلك سنجد تسلسل في الأحداث وكأنك تقرأ رواية أو تشاهد فيلمًا. 


هناك متطلباتٍ عدة لمسايرة ومحاكاة العصر يجب على الإنسان اتباعها ولكنها مشروطة بعدم ابتعاد الفرد عن أصوله و هويته و دينه. 


 هذه المتطلبات هي:


١- تقديم سلوكيات مناسبة للوسط الذي يتواجد  فيه. 


٢- عدم الخروج عن الآداب العامة للمجتمع.


٣- يكون إنسانًا قبل أي شيء و يتصرف على هذا الأساس. 


٤- تقويم السلوكيات السلبية الموجودة بداخله و مساعدة غيره في أن يُصلح نفسه؛ لكي  يكون مثلًا يُحتذَى به، يجبر الناس على احترامه،  وهنا يحضرني   قول محمد علي كلاي (رحمه الله) حينما قال "أنت تحبني أنت مخير لا مجبر، أنت تحترمني أنت مجبر لا مخير." و يجب أن تعلم أن من التقليدي أن تُضرَب لك الأمثال و لكن التميز و هو  أن تكُ أنت من يضربون به المثل. 


٥- و هذه أهم نقطة، ألا تخالف شرع الله و رسوله "أيًا كانت عقيدتك". 


المتطلبات منطقية و لكنها في الوقت ذاته محيرة ومربكة، سيقف الإنسان مشتتًا أمام كل هذه المتطلبات؛ لأنه بهذا الشكل سيكون منبوذًا من المجتمع، وبذلك ستتولد عنده بعض السلبيات بأن يفعل مثل ما يفعله الناس من سلوكيات سواء كانت سلبية أو إيجابية وسيكون إنسانًا لا يملك قراره و لا يعرف كيف يحدد اتجاهاته.


أنا لا أقول لك سِر على  درب الحرباء أينما وجدت في بيئة اتخذت لونها، فإذا كانت البيئة مكلئة أخضرت و إذا كانت البيئة مقفرة أصفرت، فكر و لو للحظة وحلل الأشياء ولا تكن كالهشيم إذا مسته النار تحطم وتبدد وزال. 


الحكمة هو أن تترك السلبي وتأخذ الإيجابي و لا تقل على لسان العوام (أنا بعمل زي الناس)، وتضع في رأسك أفكار الحاقدين محطمي الآمال (أنت أحسن من غيرك  في إيه، بلاش كلام فارغ احلم على قدك)، هذا الكلام لا  يوجد له أساس من الصحة؛ لكونك تسير وراء العادات والتقاليد الغير صحيحة و تترك الدين والأصول والقيّم التي يجب عليك أن تسير عليها. 


أكبر دليل على ذلك أن أوروبا ودول الغرب بالرغم من انفتاحها الكبير و ما لديها من ثقافة ( open minded) إلا أنها متقدمة و تواكب التطور بشتى أنواعه وفي نفس الوقت عادلة لا ينظرون إلى  السلبيات وينساقون ورائها  لا ينظرون إلى مَن في منصب أعلى ومَن في منصب أدنى ولا يهتمون بالمظاهر والرموز.


هذه الدول حقيقية بالفعل وليست مزيفة وتراعي أن هناك أجيال ستنصت لها وستتخذها مثلًا  وقدوةً  لهم ويتصرفون حسب ذلك. 


سأقول لك كلمة أخيرة على لسان الكاتب الكبير محمود عباس العقاد قبل أن أجول في محورٍ آخر و أغلق هذا الباب "كن شريفاً وأمينًا واصبر لا لأن الناس تستحق الشرف والأمانة لكن لأنك أنت  لا تستحق الضعة و المهانة." و أخيرًا، إن من أهم وأخطر العواقب الناجمة عن الثقافة و الذوق العام، أن أصبحت الحياة مرتبطة ارتباطًا كبيرًا و معقدًا بهما، وليس بالدين و الأخلاق والقيم والأصول إلى  أن أصبح الدين مادة مهملة مهمشة في حياتنا ومجرد مادة تُدرس في المدارس وللأسف مهمشة أيضًا وصارت بعيدة  كل البعد عن نهج حياتنا وصياغتها. 


الدين، ليس أن يُكتب في بطاقتك الشخصية  مسلم أو مسيحي ولكن الدين أخلاق وتواضع واحترام وتعاون ومآخاة وحُسن معاملة.  


إلى أين سينتهي بنا الأمر، إلى أن  تحكمنا العادات والتقاليد ليس الدين و القيم والمبادئ؟ 


 في نهاية المطاف يجب أن نكون متفقين أن لكل عصر ولكل مجتمع سلبيات وإيجابيات وإن كل ثقافة  لها انحرافاتها ولكن لا يعني هذا أن ندع المبادئ والقيم جانبًا ونسير  حسب الهوى والذوق والثقافة والعادات  والتقاليد الغير صحيحة والغير مقنعة.


 يجب أن تجعل الدين والقيم والمبادئ والأخلاقيات  من أولوياتك وأسلوب حياتك، حتى  وإن وقف العالم أمامك، يكفي أن الله يعلم ما في قلبك و أنه راضٍ عنك، و مهما ظلمك الناس و مهما تغيرت قيمهم فلا تغير من شخصك لتنال إعجاب أحدهم. 


نحن نسعى في الدنيا لنفوز بمرضات الله وليس مرضات   الناس، الأمر يتوقف علينا وسأتركم مع هذه الآية التي تلخص كل هذا ولتعرفوا مدى قوة الدين وأنه يقصر علينا المسافات والطرق، وحل كل  معضلة في فهم أشياءٍ كثيرة.


 بسم الله الرحمن الرحيم 


(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)

 (صدق الله العظيم) سورة التوبة الآية (١٠٥). 

    

تعليقات

10 تعليقات
إرسال تعليق
  1. عاش يا محمود

    ردحذف
  2. ايوه فعلا بالظبط والله ، كتاباتك عظيمه جدا والمدونه جميله جدا محترمه وانا حقيقي متابعكم واتمنى المزيد من الكتابات العظيمه

    ردحذف
  3. استاذ محمود كاتبنا العظيم عاااااش جدا 👏👏👏😻😻😻😻♥️♥️♥️♥️♥️

    ردحذف
  4. غير معرف9/01/2021

    مقال جميل جدا ما شاء الله

    ردحذف
  5. ما شاء الله المقال جميل استمر

    ردحذف
  6. ابن عمى الجامد

    ردحذف
  7. غير معرف9/02/2022

    المقال جميل جدا ي صحبي عاااش بجد 😂 ❤️ استمر ربنا يوفقك إن شاء الله ومن نجاح لنجاح ي أخويا

    ردحذف

إرسال تعليق